كلمة الحزب الشيوعي في
تأبين
المرحوم الدكتور سليمان
بن سليمان
ليس من السهل ولا حتى من الممكن أن نعبر في كلمات قليلة
عن عمق حزننا وأسانا أمام هذا المصاب وعن عميق شعورنا بالفراغ الذي يتركه هذا
الراحل الكريم ليس من السهل ولا حتى من الممكن أن نعبر في كلمات قليلة عما نكنه له
من محبة صادقة واحترام وتقدير كبير وأن نتحدث عن الصفات الإنسانية العالية وعن
المواقف الملتزمة والمشرفة وعما قام به من أعمال ومساع ومبادرات جريئة وشجاعة وعن
الآراء المتقدمة والرائدة التي كان ساقا لها هذا المناضل الصلب وهذا الحليف الوفي
وهذا الصديق العزيز.
فكلنا يعرف أن الدكتور سليمان بن سليمان كان المناضل
الوطني الصلب المتجذر الذي حاز وهو عضو بالديوان السياسي للحزب الحر الدستوري إلى
العمل الجماهيري المباشر وإلى المواجهة الساخنة مع الاستعمار مما أدى به إلى سجون
فرنسا وخاصة فورسان نيكولا المشهور حيث قضى خمس سنوات أصيب فيها مرض لازمه طويلا وأنهك
صحته فيما بعد.
ولكن كلنا لا
يعرف أن الدكتور سليمان بن سليمان كان يحمل آراء متقدمة رائدة أصبحت فيما بعد ملكا
مشاعا لكل الحركات التحريرية تقريبا فكان يفهم فهما دقيقا وصائبا حقيقة الاستعمار
لا في معناه الضيق المباشر ولكن في بعده الامبريالي فكان ينادي ويعمل على ربط
كفاحنا التحريري بالكفاح ضد الامبريالية وبالتحالف مع قوى التحرر والتقدم وخاصة
البلدان الاشتراكية والمناصرة قضايا تحرر الشعوب الأخرى وقضية السلم العالمية. وقد
كان يفهم فهما دقيقا وصائبا أهمية التحالف بين الفصائل السياسية على اختلافها فكان
يعمل جنبا إلى جنب مع حزبنا الشيوعي. وربما كلنا لا يعرف أن الراحل العزيز بقي
وفيا لهذه الآراء ومخلصا لها وتحمل في سبيلها الكثير وضحى من أجلها بالكثير هو
الذي كان بإمكانه أن يتبوآ المناصب الرئيسية وينعم بأوسع الامتيازات.
فقد بقي رئيسا للجنة التونسية للحرية والسلم وأصبح من الأنصار
العالميين المعروفين لحركة السلم وشارك مشاركة مستمرة وفعالة في الكثير من
مؤتمراتها ومهرجاناتها وكان دوما يربط ذلك بالكفاح من اجل الاستقلال ومن أجل
الحرية.
وبادر بإصدار جريدة منبر التقدم فكانت التجربة الطريفة
التي جمعت بين الشيوعيين واليتقدمين وكانت الجريدة المناضلة في مسؤولية ورصانة والمستميتة
بالانتقاد النزيه البناء وبالاقتراحات الإنشائية ودام ذلك حتى تعطيل الجريدة يوم نشاط
الحزب الشيوعي في أوائل 1963 وتحمل الراحل الكريم في صبر وترفع أيضا ولكن في إرهاق
المضايقات والاستنطاقات لدى حاكم التحقيق وفي مجال العمل الدائب للوقوف في وجه
الامبريالية ولمناصرة حركات تحرر الشعوب بادر عام 68 بتأليف لجنة للتضامن مع الشعب
الفيتنامي جمعت أيضا الشيوعيين والتقدميين وطالب لها الترخيص القانوني الذي طبعا
لم يحصل بل ما حصل هو المضايقات والاستنطاقات من جديد.
وإن أنسى فلا أنسى تلك المظاهرة الصغيرة والرمزية التي
قام بها مع جمع من الشباب المتحمسين وهو الشيخ الوقور احتجاجا على مقتل الزعيم الإفريقي
باتريس لومنبا على يد الامبريالية الغدر وعملاءها السافلين.
هذه
بعض من المواقف والأعمال والمبادرات التي كانت في الظروف المعروفة إذاك تتصف لا
فقط بالأمان الصادق والراسخ في عدالة القضايا قضايا التحرر والديمقراطية والسلم
ولكن تتصف بالجرأة والشجاعة وبعد النظر إذ أن ما كان يدعو إليه الدكتور سليمان بن
سليمان ويعمل من أجله أصبح قناعه لفئات واسعة منظمة أو غير منظمة وتحركات سياسية
وفكرية ومهنية وإنسانية وحتى لشخصيات وطنية عديدة.
فلهذا وغيره كثير يقف الحزب الشيوعي التونسي في خشوع
وإجلال للترحم على روح الدكتور سليمان بن سليمان الطاهرة الزكية وسيبقى الشيوعيون دوما أوفياء لذكراه.
تونس
25/02/86