Haut

بعد حياة مفعمة بالمواقف النقدية رحل سليمان بن سليمان

28/02/1989 Article en PDF téléchargeable


في الخامس عشر جمادي الثانية 1406هـ/24 فيفري 1986 م، سكت قلب كبير إلى الأبد... يوم الاثنين الماضي ارتحل إلى الخلود وطني فريد في هذا القرن الفريد... انه الدكتور في طب العيون سليمان بن سليمان الذي ناضل في صفوف الحركة الوطنية بصلابة وإخلاص... مات هذا الرجل ولكنه سيبقى في ذاكرة الشعب التونسي رائد من ألمع وأنشط رواد النضالين الوطني والاجتماعي في تونس والعالم. إن كلمة القصيرة التي نخطها اليوم ليست إلا تحية لروحه الخالدة...للذكرى التي لا تنصب ما دام الإنسان يغضب.


بعد حياة مفعمة بالمواقف النقدية

رحل سليمان بن سليمان

                                                          محمود عبد المولى

 

في الخامس عشر جمادي الثانية 1406هـ/24 فيفري 1986 م، سكت قلب كبير إلى الأبد... يوم الاثنين الماضي ارتحل إلى الخلود وطني فريد في هذا القرن الفريد... انه الدكتور في طب العيون سليمان بن سليمان الذي ناضل في صفوف الحركة الوطنية بصلابة وإخلاص... مات هذا الرجل ولكنه سيبقى في ذاكرة الشعب التونسي رائد من ألمع وأنشط رواد النضالين الوطني والاجتماعي في تونس والعالم.

إن كلمة القصيرة التي نخطها اليوم ليست إلا تحية لروحه الخالدة...للذكرى التي لا تنصب ما دام الإنسان يغضب.

إن الدكتور سليمان بن سليمان الذي يعتبر مناضلا من الرعيل الأول ضد الاستعمار والظلم الاجتماعي، ولد في أوائل هذا القرن في عروسة "العيون" (زغوان)... وأصبح طبيبا للعيون في وسط شعبي (باب الجديد بتونس) وفي خدمة أبناء الشعب التونسي... كان رحمه الله متواضعا إلى اقسي الحدود... فهو يستنكف من أن يتحدث عن نفسه وعن نضالاته في صلب الحزب الدستوري وفي منظمات أخرى... كان نحيفا موغلا في النحافة... لكنه كان إذا ناقشته لمعت عيناه ودافع عن آرائه بقوة... كان رحمه الله منذ أن عرفته غب بداية السبعينات يحمل نظارتين... كان رحمه الله إذا جلس معنا في مقهى باريس وأخذه الحماس خلع نظارتيه وفضل الحديث بدونهما فهو يجد راحته بدونهما وهو طبيب عيون، استشرته مرة عن عيب من عيوب العينين وهو "الذباب الطائر أو الطيف" فأجابني بابتسامة: انه هو نفسه يرى هذا الذباب الطائر... ولا يستطيع التخلص منه حتى ولو كان طبيبا في أمراض العيون فلا بد من التعود على ذلك واراحة العينين من وقت وآخر من النظارتين... وبهذه الإجابة العلمية أراحني من عذابات الخوف على العينين...

ومن خلال شهادات رفقائه وأنا واحد منهم كان الدكتور سليمان بن سليمان يعمل ويعمل في عيادته وفي الحركة الوطنية والنضال التقدمي في تواضع وانقطاع كاملين... وكان على اتصال مباشر ودائم بأبناء الشعب... ولذلك كان يدافع بقوة عن "جماعة البلايز" فهو لذلك شعبوي التوجه لا كما يشاع "انه شيوعي" كان وطنيا حقا وفعلا... كان مناضلا في صفوف الحزب الدستوري حقا وفعلا...كان أقرب إلى يمين حقا وفعلا... كان، دون ريب في طليعة "حركة الحرية والسلم" وتأبيد شعب الفيتنام التي تزعمها... وبسببها (ربما) رفت من الحزب. ألم يناضل صحافيا في "منبر التقدم" « Tribune du Progrès » ومع مناضلين شيوعيين؟ ألم يناضل قبل ذلك في صفوف الحزب؟ ألم يكلف في 31 جانفي 1948 بتنقية الخلافات بين المناضلين الدستورين... إذ بعث في هذا التاريخ إلى مصر، في ظروف صعبة للغاية (قضية فلسطين، تأسيس"لجنة لتحرير المغرب العربي" ولعلها "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية...) وذلك لمحاولة إزالة الخلافات الشخصية والفكرية بين بعض المناضلين الوطنيين في تونس من جهة، والبعض الآخر المتواجد في القاهرة من جهة أخرى.      

هذا هو الرجل الذي كنا نجالسه منذ سنوات (وقبل أن يقعده المرض بمقهى باريس... كنت والرفاق: عبد الحميد بن مصطفى وبن لخوة (رحمه الله) وآخرون نجلس معه لنتحدث أو ندردش واعترف أني لم أره منذ سنوات وكنت ابعث له سلامي مع ابنه "منصف" وهو زميل وصديق في نقابة التعليم العالي ناضلنا نقابيا معا... يا للمصيبة؟ هل كان يعلم الأب أن ابنه " منصف" قد عزل من عمله كمساعد (أستاذ) ووضع تحت الإقامة الجبرية لنشاطه ككاتب عام لنقابة التعليم العالي والبحث العلمي؟ لكن هذه قضية أخرى.

رحمك الله يا دكتور، وأسكنك فراديس جنانه... والله أكبر.  

حقائق عدد 107- الجمعة 28 فيفري 1986